top of page
Rechercher
  • Photo du rédacteurقناة الكاتب عماد الدين زناف

فلسفة للكافة، فهمها للخاصة!


الفلسفة متاحة للعامة، لكن فهمها مُقيّد للخاصّة. لمَ؟

🌿 مقالة أضع فيها إشارات يسيرة تُبيّن تركيبة الفلسفة الحقيقيّة.


إن من يُحب الفلسفة ويبحثُ في كتبها، يختلف عن الذي يتحاشاها ويفضّل ما هو أقل صعوبة منها، معتقداً أن الأدب السّهل أمتع من الأدب الفكري، ذلك أننا وقعنا في فخاخ الإصدارات الأدبية السهلة، وتفشى المرض، وصار الكُتاب يرون في الفرقعات الآنية المنا في التفوّق، إصدارات تحترق مع انتهاء القارئ لآخر صفحة فيها، ولن يعود إليها لعلم فيها، بل لانقطاعه عن الكتب الماتعة وحرمانه من هذه المجرة، ثم تُنسى بعد سنوات يسيرة. ورغم أن للفلسفة شأن بين الكتب الأدبية، إلا أن قارئ المحب للفلسفة مُتوهّم هو الآخر، ذلك أنه يعتقدُ أن قراءة الكتب الأمهات يجعله مُلمّا بالفلسفة، ولو عدنا إلى القارئ العربي بشكل خاص، لوجدناه يتبجّحُ بمعرفة كتب الغرب، المعلومة من الخواص والعوام، من الذي يحب الفلسفة ومن الذي يذمها ومن الذي يمقتها، وقد تجد في بعض الأحيان، أن كاره الفلسفة، أو غير المعني بها، قد يكون أفهم من أدعياء أدب الفلسفة، ذلك أن للأدب قواعد قد لا يعلمها الكثيرُ منّا، ألا وهي دراسة الشيء بكل زواياه، ودراسة الحواشي عليه، ونقده، وشرحه، ومناقشته. ويكون ذلك من الفلاسفة أنفسهم، من المتدينين، من المؤرخين، من علماء النفس والاجتماع، ومن غيرهم من المختصين في مجالاتهم. فعلم الفلسفة لا يؤخذ من كتب الفلسفة وينتهي، بل تؤخذ الفلسفة من حيّز أكبر بكثير من تلك الكتب، وفي هذا المقال، سأبيّن لكم جزءاً يسيراً من تعقيدات الفهم الفلسفي!

في بيئتنا العربية، يفضلّ أحدنا أن يحرق الأشواط بقراءة الفلاسفة الكبار، والأخذ منهم، دون عودة لما قيل نقدا أو مراجعةً أو تكملةً، العرب القدماء، كانوا يقرأون ما يسمى العلومَ العقليّة، وهي آليات فهم النصوص الفلسفية والكلامية، لتفكيكها ومعرفة كل حقلها، قبل البداية في التأصيل، ومعرفة الطيب من القبيح، والنافع من المُسقم، وكانت دراسة العلوم العقلية مستقلة عن كل انحياز، فمعرفة الشيء قاعدة أساسية قبل الخوض فيه، وهذا ما يعيب عصرنا، الكسل في معرفة ما يجب معرفته قبل رفع لواء فلسفة وفيلسوف ما.

"فليتَ شعري" كما يقول القدماء، من يعرف من محبي الفلسفة الشباب كتاب السلم المُنورق لعبد الرحمن الأخضري في فنون المنطق، وكتاب تهذيب المنطق للسعد التفتازاني، وكتاب الشمسية في القواعد المنطقيّة لقطب الدين الرازي، وكتاب الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي، وكتاب المقدمات الممهدات لابن رُشد، وشروحات لكتاب العقائد النسفية لفخر الدين النسفي، وكتاب أبكارا لأفكار للآمدي، وكتاب المنطق لعبد الهادي الفضلي، وكتاب المنطق لمحمد رضا المظفر، وكتاب بداية المعرفة لحسن مكي العاملي، وكتاب بداية الحكمة وآخر نهاية الحكمة للطبطبائي، وكتاب منظومة السبزواري، وكتاب الأسفار العقلية لصدر الدين الشيرازي، وكتاب الإشارات والتنبيهات وكذا برهان الشفاء لابن سينا، أصول المعرفة والمنهج العقلي لأيمن المصري، نظرية المعرفة لجعفر السبحاني.. وقد أطيل في ذكر الكتب التي تتحدث بشكل عميق جدا عن الفلسفة والمنطق والعقليات وعلم الكلام! وهذا جانب من موسوعتنا الإسلامية حصراً، ولم أتحدث عن موسوعات فارسية وهندية وصينية ولاتينية، ولست أدعي أنني طالعتها كلها، لكنني أعلم أين أقف في معرفة مكاني من هذه المجرة.

لا يضرّ أبدا أن يقرأ أحدنا كتاب الأخلاق لسبينوزا ونقد العقل المحض لكانط والعالم إرادة وفكرة لشوبنهاور وإنساني مفرط في إنسانيّته لنيتشة وغيرهم من الكتب المشهورة، لكن هذا سيجعل منه محباً للفلسفة، له شيء يسير من أبوابها، إذا ما فهم مقاصدهم طبعا، وهذا في ذاته معاناة حقيقية، لكن دراسة الفلسفة والمنطق والعقليات وعلم الكلام كعلم، يستوجب منا التبحّر في محيطٍ عظيم واسع كما أشرت في الفقرة السابقة، والقول بأن الفلسفة هو الاحاطة بخمس أو ست كتب مشهورة، هو قول باطل ولا يساوي شيئاً.

كنت دائما أشدد على مقولة هذا فيلسوف، الفيلسوف يجب أن يطالع مئات الكتب الفلسفية، ويفهمها فهما صحيحا، فينتج لنا هذا رجلا ناقداً أو تابعا لفلسفة عن فلسفة، وهذا لا يحدثُ في سنة أو خمس سنوات، بل يحدثُ في عمر بكامله.

معظم من تشاهدونهم هم مفكرون، وليسوا فلاسفة إطلاقاً، ذلك أن الفيلسوف يأتي بمفاهيم جديدة، والذي يدّعي الاتيان بالمفاهيم الجديدة، يعل أنه لم يسبقه فيها أحد، ولكي يعلم ذلك، عليه أن يطالع بشكل واسع لسنوات طوال، أي أن يتخصص في دراسة الفلسفة.

أما القارئ الشاب، فليس عليه أن يطلق على نفسه سوى بالمحبّ للفلسفة، أو المحب للفقه، أو الشعر، أو الأدب، فتقلّد اسم تلك الأمور الثقيلة يجعل من الشخص طائشا لا يعلم حجم ما تلقّب به.


المقال 299

23 vues2 commentaires

Posts récents

Voir tout
bottom of page