top of page
Rechercher
  • Photo du rédacteurقناة الكاتب عماد الدين زناف

عُقم المادة وما تلده الفلسفة.

عُقم المادة وما تلده الفلسفة.



لقد كُتِبَ في الحياة أن التفوق المادي لا يكونُ إلا بعد التفوق المعنوي النفسي.والفرق بينهما جوهري.

فمن يبحث عن التفوق المادي دون المعنوي سيُطيل الانتظار، أو يظلمُ الناس كي يصل، فإذا وصل بالظلم حرص على مكانته بالبطش والحيلة، وان تلاعب بالمصطلحات وأسماها ذكاءً وشطارة. فمن يصل بالمعنى والنفس لم يكن ذا غاية محدودة، بل يتمتع بروحانية عالية، فهو لا يعاني من نفس سقم البطّاش. وإن اشترك المادي والمتفلسف نفس المنصبّ، فهما لا يشتركان الرؤية والمَكانَة. فالروح والخاطر هما من يصنع الفوارق.

إن راحة النفس لا تُرى بالعين الجارحة، ولا تُعقلُ بالحدقة والبؤبؤ، إنما بالبصيرة والإحساس. فالذي طوّر نفسه ماديا لا معنويا لا يكونُ ذا وهرة ووقار، بحيثُ يُرى فيه الطمع والتهوّر وحب التملّك والاستئثار.

فلا يظلم المرء إلا إذا حرَصَ على الماديات دونَ المعنويات والروحانيات، فإذا لم يجعلها وسيلة في ذاتها، لن ينهار من متغيّراتها، فالمادة والمناصب أمورٌ مُتغيرة. أما العلم، بتثبيت الله، لا يُزال من القلوب والعقول بسهولة. فإذا كنزَ الإنسان العلم، فقد أبقى لنفسه جوهراً وَلوداً لتكرار المُحاولات إلى غاية فناء عمره.

فصرف الوقت في محاولة تثبيت المتغيرات هو مضيعة له، بل وجب أن يُصرف في بناء الجوهر الثابت، من طلب العلم والمعرفة من حيث أتت. فالعيش في الحياة لا يكون بنكران كامل لها، ولا غوص تام فيها.

الماديات نتيجة رزق، والرزق بالسعي، والسعي لا يكون في سبيل المتغيّر كما أسلفت الذكر، بل للثابت كي يسهل انتقالك من منصب إلى من منصب، ويسهل إعادة بناؤك للمشاريع مرارا وتكراراً، فلا تَكون بعد ذلك ابن المشروع الواحد.

فطلب الحكمة والفلسفة والفقه هو طلب دوام النعمة، وطلب صناعة الفُرص.

أما طلب المناصب والمال، هو طلب المتعة اللحظية، وطلب الحظ والقِمار.

وحب المناصب دوناً عن العلم والمعرفة من التسرّع، والتسرّع نابع من الاستياء. ذلك أن المُستاء في منافسة دائمة وهمية مع محيطه وتاريخه البائس غالباً. والمُستاء الباحث عن حرق الأشواط، لا علاقات له إلا العلاقات السامة، مبدئها الطمع والتصيّد ونصب الفِخاخ.

وبلوغ المستاء لأهدافه المحسوسة لا يُعالجه، بل سيُخفي بعضاً من عيبوه، التي تبقى في تفاصيل حياته مع محيطه، ويُبرز أخرى صارت تُغذى بالترف.

وما الذي ينمو إذا كان لا يتجدّد ويتطوّر في نموّه، فالمادة لا تلد نفسها والمناصب كذلك، فمن تطوّر ماديا لم يتطوّر معنويا بالضرورة، ينما العكس صحيح. ولا يتطوّر المرء بالنصائح إنما بالتجارب، وبادئ التجربة العلم، ونهايتها العلم.

وفي الأخير، النجاح دون فلسفة محض صدفة، والصدفة لا تتكرر، ذلك أن مُنطلقها ضبابي غير مرئي لا يحسن المرء تكراره. فمن اعتقد بالصدفة والحيل، خسر بالصدفة والحيل، ومن اعتمد العلم قبل القول والعمل، أعاد التجارب بالعلم والعمل.

المقال 319

17 vues1 commentaire

Posts récents

Voir tout
bottom of page