top of page
Rechercher
  • Photo du rédacteurقناة الكاتب عماد الدين زناف

دعه يظهر..اتركه يسقط!

دعهُ يَظْهَرْ، اُتْرُكْهُ يَسْقُطْ.

يعتمد المصارع في رياضة الجودو على تهوّر المنافس، إذ يندفع هذا الأخير بثقله عليه لينفّذ خطوة المسك أو الدفع أو الرفع، فيقلب الأول قوة الاندفاع تلك إلى صالحه إذ لا يعارض مسارها بل يتحاشاها ويضاعف قوّتها نحو الفراغ، نحو الهاوية. وبالتالي فإن سياسة الاعتماد على تهوّر الآخر قد تكون من أنجح الاستراتجيات في هزيمة الآخر، فبعض الناس يملكن من الثقل والقوة والركيزة ما يجعل الصراع المتكافئ شبه مستحيل، وبالتالي فإن المهارة والمراوغة هما السبيلان الوحيدان للفوز. يكمن إسقاط "نظريّة الجودو" أو "المصارعة" في عدّة ميادين، يقول نابليون "إيّاك أن تُعكّر خطوة متهوّرة من عدوك" فإذا أردت الفوز في بعض الأحيان، عليك أن تترك الأفضليّة للآخر، أن تعطيه مبدأ الاستفتاح، أن تترك له المجال بأن يظهر ما لديه، فمحاولة الكبت المستمرة على العدو قد لا تكون ذكية جدا إذا ما كان الخصم ساذجا، لمَ؟

لأن الخصم الساذج لا يدرك مدى سذاجته، وبمنعك إظهاره لها بشكل مستمر، هو يستغل –دون وعي- عدم معرفة العام والخاص بسذاجته، ويعتقد في نفسه ويعتقد فيه الناس أنه على درجة من الخطورة والقوة. لذلك، أهم خطوات المعرفة هي الحكمة في تقييم الّآخر، تقييم الآخر وتصنيفه من خطر جدا إلى متوسط الخطورة إلى ساذج. إن هذا التقييم –الذي يحتاج إلى هدوء ووقت- يُغني عن إعطاء الآخر مكانة لم يكن يحلم بها. إن مقام –الشهيد البطل- لا يجب أن تُعطى جُزافا، والكثير منا يرش ألقاب البطولة لأشخاص لا يستحقون لقب إنسان حتى. إن محاربة السذاجة والانحطاط من هذا القبيل، فمحاولة كبت السذاجة والانحطاط يعطيهما شيئا من القيمة لم تكن لتظهر بتلك الضخامة، كأن تضع ذبابتين في علبة كارتون كبيرة، ولأن الناس يحاربون الظلم إذا بدا لهم كذلك، ولا يبحثون ما وراء ذلك، فتُعطي دور المظلوم لمن كان لا دور له.

لقد كنا نتصور إلى وقت قريب أن محاولة منع الحماقات من الظهور هو السبيل الوحيد في إيقافها، وقد كنا على خطأ جسيم جدا وجب الاعتراف به، بل كان علينا أن نُسرّع في إظهارها للعيان، وأن نُساهم بطريقة ما في أن يعرفها الناس دون ما إشهار واضح، لكي لا يتم اتهامنا بدعمها، إذ أن الهدف من ذلك هو إظهارها لا الترويج لها.

إن العالم يمشي بثقل نحو إشهار ما لا يصلح، وقد كنا نحن –المقاومون- نصدّ شتاء الصخور بأيدينا، عوض أن نترك تلك الصخور تحطّم كل شيء، لنريَ أن تلك الصخور ليست مطرًا بل عذابا. وقد يعترض البعض في قول إن المقاومة الفكرية تقتضي الصدّ والتضحية، ويتناسون أننا نقوم بذلك، لكننا لا نستعمل الحكمة بل نستعمل الغضب. فالحكمة تقتضي أن نترك الناس يعرفون ويتحسّسون خطورة أو سذاجة الشيء الذي نقاومه، لأن إخفاء ذلك على الناس هو فشل دعائي ذريع لحماة "الخير".

وكذا في الفكر والأدب والثقافة، فإن منع السذاجة من الظهور فكرة غير ناجحة، بل علينا أن نتركها تظهر للعيان، وأن نشجع على مطالعتها والاستماع إليها قبل أن نريهم البديل الذي بحوزتنا، لأن إعطاء الدواء لمن لا يعرف الداء يحوله من دعاية للخير إلى اتهام بالمُتاجرة.

فعلينا أن نستقبل موجة الانحطاط استقبالا عادلا، كنوع من فسح المجال للتعبير، ونحن نعرف في قرار أنفسنا أن تلك الفسحة والترك هما السبيلان الوحيدان لنهايتها، فغير ذلك يجعلها تُعمّر –برمزيّة المقاومة- والتمرّد-، وإن إفراغ العنتريات الفارغة من محتواها لا يكون سوى بإفساح المجال للبطل الوهمي ليدخل ميدان الصراع. وقد تكون هذه الطريقة ناجحةً في عديد الميادين، فكلما وجدت "مدعيا لما لم يُعْطَهْ"، أعطهِ كل الوسائل وشجّعه على إبداء رأيه بكل الوسائل، سواءٌ بنشر فيديو، تأليف كتاب، تأسيس مجموعة، صفحة، جمعية أو حزب ما، واتركه يسقط لوحده. فإذا أثمر عمله فسيكون هذا دليلًا أن المشكلة الحقيقة ليست في أرباب السذاجة بل في مستهلكيها، وإذا لم يُثمر –غالبا بسبب الغباء المستتب الذي يتمتعون به- فهذا سيريحنا من فقاعة قد انفجرت قبل أن تصبح منطادًا.

المقال 371.

33 vues0 commentaire

Posts récents

Voir tout
bottom of page