top of page
Rechercher
  • Photo du rédacteurقناة الكاتب عماد الدين زناف

جِيُوسِياسة المعرفة


جِيُوسِياسَةْ المَعرِفَة.

مقال مُكثّف بالمعلومات التاريخيّة، لفهم علاقة الجغرافيا السياسية مع المعرفة، بأسهل الطرق.

الجيوبوليتيك عيارة عن مادة يُدرّس فيها تأثير المناطق الجغرافية، محل البلدان والتقاطعات، في السياسة المحلية والعالمية. كذلك، هي تدرس تاريخ المناطق الجغرافية والتطورات التي طرأت عليها، وانعكاس ذلك على العقيدة العسكرية، وإ

إدارة المنطقة والإقليم.

أما المعرفة فهو مصطلح يشمل العلوم والتكنولوجيا بكل أصنافها، فالمعرفة تعني الإحاطة بالمعارف، أي المعلومات، ومن يُحيط بالعلوم يسمى عارفاً، والمُتقن في علمٍ ما يسمى عالماً أو عارفاً كذلك، أما البلد الذي يحتضن المعارف فهو بلد متطوّر وكمثال على تأثير الجغرافيا على السياسة، وبذلك على توزيع المعرفة من تلك الأمكنة، نذكر الحضارة المينوسية، و التي أنجبت مملكة كنوسوس الإغريقية، أين يتواجد قصر مينوس الأثري، التي تُعتبر مهداً للحضارة الغربية جمعاء في العصر البرونزي، ومنطقتها في الحوض المتوسط بين اليونان وتركيا ومصر جعلها منطقة استراتيجية في التأثير المعرفي الثقافي القادم. وقد كانت نشأتها في نفس زمن الأهرامات المِصرية جنوباً، وقد كانت الحضارة المصرية هي مركز الربط الافريقي والغرب آسيوي مع الحوض المتوسط.

لكنهما ليسا أوّل المناطق الجغرافيّة الجوهريّة في المُنطلق المعرفي، فقد عرف التاريخ بابل في العراق، بيد أن منطقة الوركاء، جنوب العراق، تُعدّ مهداً للكتابة في التاريخ. أما حديثاً، فقد أصبحت مدينة شنجن الصينية هي ورشة العالم، بحيثُ يتواجد فيها أكبر عدد من المصانع من مختلف المواد -المصنوعة في الصين-، وقد كانت منطقة للصيد البحري في البداية، بيد أن الكثافة الجغرافية في تلك المنطقة جعلتها مركزاً عالميا للصناعة، وبذلك، مكزاً للسيطرة الثقافية المعرفية الصينية.

وهذا ما يحفّز الصراع بين الصين وتايوان حالياً، فتلك المنطقة ملغّمة بالمصانع والكثافة الديموغرافية العالية، كذلك محاولة سيطرة روسيا على القرم وأوكرانيا كاملةً، فالبلدان التي تقع في مناطق التقاطع تعطي لأصحابها قوة كبيرة.

كذلك كان مشروع طريق بغداد الألماني، قُبيل الحرب العالمية الأولي، مهداً للحرب، وهذا ما يُفسّر تواجد باب عشتار في برلين حاليا. فقد كان مشروع طريق يُشبه طريق الحرير التاريخية، التي تحدثت عنها بإسهاب في كتابي الشفق وأيضا في مقال مستقل في مُدوّنتي.

فالطريق التجارية من وإلى، هي طريق تنقل المعرفة أيضا، وهذا ما كانت عليه فاران (اسم مكة في الكتب المقدّسة)، فطريق التجارة نحو مكة كانت غنية بنقل المعارف والمعلومات. وكذلك بغداد في العصر العباسي، فقد نقل المأمون معارف الدنيا وترجمها في بيت الحكمة، بذلك جعل من بغداد منطقة جغرافية باعثة للمعرفة عبر العالم.

أما عن الحكماء، فإن معظمهم لا يهتمون للجانب الحَكيم من التكنولوجيا وعلاقتها بالجيوبوليتيك، عدى بعض الأمثلة المنحصرة تاريخياً مثل الطاغية الحكيم كليوبولوس، الحاكم اليوناني الاسبرطي، أحد حكماء اليونان السبع، فقد توسع دون تدمير ومجازر. والذي يقابله في قلة الحكمة الإسكندر المقدوني، الذي توسّع في الأرض دون حكمة ولا عائد معرفي لليونان.

ونجد مثالا للحكمة الجيوسياسية والمعرفية الملك الروماني تراجان، الذي حكم أوسع جغرافيا للإمبراطورية الرومانية، فقد لامست أوج عطائها في زمنه. ذلكَ أن تراجان وحّد حضارات البحر المتوسط رغم اختلافاتهم، وهذا باعتماده على بعض الثقافات المنتشرة في امبراطوريته، فلم يكن مركزيا بل كان متفتحاً، ليجعل روما بؤرة العالم معرفيا. ويُذكر أنه كان يعتمد على أبولودوروس الدمشقي السّوري (من سلاسة الذين بنوا البتراء في الأردن)، كمهندس معماري لكل ما يصنعه، فقد كان أبولودوروس وراء بناء بانثيون روما سنة 27 ميلادية، البناء المبني بالإسمنت غير المُسلّح كعادة الرومان.

وفي عصرنا، نجد منطقة وادي السيلكون الأمريكية، التي تجمع أكبر الشركات المعلوماتية، هي إغريق العصر وبابلها ومصرها وبغدادها ورومانها، فالمركز المعرفي متمحور في تلك المنطقة، والأسلوب التاريخي واحد، طريق الحرير انتقلت إلى طريق لا سلكيّ، والمعرفة العالمية تخدم مصالح تلك المنطقة باستمرار بأسلوب الملك تراجان.

فالمعرفة تريد أرضاً جغرافية هادئة تستقر فيها، وأرضا خصبة ولودة، وإرادة قوّة بشريّة عالية للتوسّع، فمن دون إرادة توسّع لا ينطلق شيء على الاطلاق.

استخلاص وإعادة صياغة أفكار محاضرة د.إدريس أبركان.

المقال 321

21 vues1 commentaire

Posts récents

Voir tout
bottom of page