top of page
Rechercher
  • Photo du rédacteurقناة الكاتب عماد الدين زناف

بيغودو: الكاتب والمال، الموضوع المحرم

فرونسوا بيغودو: المؤلف وعلاقته بالمال، الموضوع المُحرّم.

مقالة بعيدة عن المألوف، أين سنضع المال في وضعية "جريئة" لم نعهدها من قبل.

لم يسبق لي أن صادفت موضوعا يتحدث عن علاقة المؤلف والربح المادي، أي المال بشكل عام، وهذا يعود بشكل عام لـ"الفضيلة" التي يدعيها الحقل الأدبي، في أنهم جماعة تعمل من أجل المعاني الواسعة العميقة، وليسوا هنا للحديث عن الكسب والربح المادي من وراء ذلك. غير أن هذا الموضوع وجب أن يكون في صدر المواضيع التي يجب أن يتحدث عنها الكُتاب في كل بقاع العالم، لماذا؟ لأن مُعظم الكتاب لا يقتاتون بكتاباتهم ومؤلفاتهم، بالرغم من الوقت الطويل والجهد الجهيد الذي ينفقونه لصناعة تلك النصوص، أيًّ كان مستواها ومحتواها الفكري. تأليف كتاب ما يأخذ من الكاتب وقتا طويلا جدا، لا يقارعه في ذلك سوى الرجل الذي يتخدم جهدا عضليا كبيرا في البناء أو الحرث. الحديث عن المال عيب ومُحرّم في هذا الحقل، يرون أن المال هو عكس الفضيلة التي يدّعونها باستمرار. لكنهم لا يخفون حاجتهم إليه باستمرار، فهم يقومون بوظائف عديدة لكي يسمحوا لأقلامهم بأن تعرف. (في الغرب، إصدار الكتب لا يكون بالمال، بشكل عام، يأخذ الكاتب نسبة مما يُباع، المشكلة أنها كُتُبٌ لا تُباع لذلك لا تغامر دور النشر في قبولها أصلا. إن من يستطيع العيش بكُتُبه حفنة لا تتعدى الثلاثين أو الأربعين من الكتاب في كل بلد، مع مبالغة كبيرة في العدد. عندنا محليا، طباعة الكتب تكون بطريقة تلقائية عندما يدفع الكاتب ثمن الطباعة، لكن ذلك لا يضمن بيعها، وقد تبقى النسح حبيسة عنده للأبد). عودة لكلام بيغودو، يقول إن الكتاب يرون في المال شيئا لا أخلاقيا، لدرجة أنهم لا يكتبون شيئا متعلقا بالمال في رواياتهم وقصصهم وكتبهم الفكرية، يتحاشون ذكره حتى في مخيلتهم، حتى إنهم يفضلون تقديس المستحيلات كلها على ذكر المال، الذي يرون انه يضعهم في حرج في الحقل الأدبي ومع القراء الذين يرون فيهم "أملا" لتجاوز عالم المادة الذي يشغل كل جوارحهم، في كل لحظة من حياتهم. التهرب من المال هو ذاته دليلا قويا أن المال هو هاجس كل مدّعي الفضيلة في الأدب، لأن الحديث عن المال هو حديث عما يفكرون به فحسب وليس شيئا خارقا، وفي هذا نوع من الواقعية التي لا يريدون بأي حال معالجتها والخروج بنتائج ما حولها.

لم يكن الأمر كذلك عند عديد الأدباء، مثل شيكسبير في رائعة روميو وجولييت، بحيث جعل المال والطبقة الاجتماعية المادية في قلب العمل، كذلك في كتاب الأب غاريو لدو بالزاك، الذي أوضح أن المال هو سبب انهيار الأسرة وانهزام الأب من طرف بناته. إذا، نرى أن المؤلفون الأكثر قرابة من الواقع يعرفون حق المعرفة أن المشاكل الأولى والأخيرة هي المال. لكننا لم نتخلص من إشكالية أن من يهتم بالمال والربح هو الشرير في تلك القصص، وكأن الإنسان مصر على أن ما يحتاجه ليعيش عيشا كريما هو مطلب لا أخلاقيّ، لأن الناس لا يستطيعون البوح به لعدم قدرتهم على كسبه. الأرستقراطيون ليس لديهم مشكلة في الحديث عن المال، لأنهم يعلمون أن لا مكانة لهم وتأثير على الصعيد السياسي والثقافي دون مال، وأن الحديث عن المال دليل على العمل وليس دليلا الكسل. يقول كارل ماركس فيما معناه: أيها الفلاسفة، تدعون الحديث عن العالم، وتدعون شرح العالم بالفلسفة، ولكنه لأمر غريب ألا تتحدثون عن المال، لأن الأمر لا يتطلب أكثر من تسكع لخمس دقائق في الشارع لتعرفوا أن المال مسيطر على الحياة، سواءً أعجبنا ذلك أم لا. إن الناس مهتمون أولا وأخير لإنقاذ حياتهم، إذن، بكسب المال.

تقرؤون كيلومترات لـكانط وهيغل وأفلاطون، ولا تجدون سطرا عن المال. يقول ماركس، هذه هي المثالية، ان تكون مثاليا هي أن تتحدث وتعيش في فضاء الأفكار، ولا تعتني بالظروف الملموسة التي تمشي عليها تلك الأفكار. عمل ماركس دائما على سحب المشكل الفوق الواقعية إلى سكتها الواقعية، في وقت سابق، كانت هناك فلسفة مثالية، وفلسفة مادية بحتة، إلى أن أتى ماركس ليضع محاولة "ثورية" في التوافق بين المثالية المشبعة بالغايات المادية. روايات القرن التاسع عشر كانت مليئة بالواقعية، مثل أعمال ستيندال وفلوبير، حتى قبل ذلك في القرن السادس والسابع عشر، في أكثر الروايات رعبا لشارل بيرولت (ذات القبعة الحمراء مثالا).

الاستقلال المادي يسمح للمفكر والفيلسوف بأن يقتني الكتب التي يريدها، ويكتب في المواضيع التي يريدها كذلك، في سعة من الوقت، فما الذي يكون -غير المال- شريكا لهذه العملية الإبداعية إن صح التعبير؟ -اليوم يصف الكاتب نفسه أنه مؤلف، وإلى جانب ذلك، هو يعمل في وظيفة ما. الحقيقة أنه موظف، وفي أةقات فراغه يكتب شيئا ما، الأولوية تكون دائما للأمر الذي يوفر لك العيش الكريم، أما الكتابة في هذه الحالة فما هي إلا هواية لا تعتمد عليها إطلاقا لتعيش عيشة كريمة. الامر مفهوم ان يرى المرء نفسه فيما يحب، قبل أن يرى نفسه فيما هو مجبر على فعله، لكنه دائما لا يفطن للمثالية السلبية التي يرى بها العالم.

يقولون، لمَ لا يتحد المؤلفون دفاعا عن حقوقوهم؟

العملية مستحيلة جدا، لان التأليف والكتابة عمل فردي، أنانيّ، وليس عملا جماعيا، ففي نهاية المطا، هي لا تعلم الفرد الجماعية، بل تزيده عزلة عن عزلته الأولى، لذلك لن يكون باستطاعة الكتاب ان يتوحدوا على مطالب ما، لأن الكتاب في ذاتهم يتمتعون بامتيازات خاصة بينهم وبين دور النشر، وبينهم وبين الصحافة وجهات أخرى، فلا يريد الكاتب الفلاني أن يتحد مع كاتبا آخر واضعا امتيازاته في خطر. إذا، لماذا لا يتحدث الكتاب عن المال؟ للسؤال إجابتين، لأن ليس لهم مال ليتحدّثوا عنه، وبالتالي سيصبح الحديث عن المال محل حرج، بذلك يصبح المال حديثا لا أخلاقيا. والإجابة الثانية هو امتناع من لديهم الكثير من المال، خوفا من الحسد أو البغضاء والغيرة، لأن عدد الكتاب الذين يتمتعون بسعة من المال قلة، وتلك الفئة معرضة للنقد المجاني لثرائها.

غياب المال يلز الكاتب للقيام بأشياء لا تتماشى مع "فضيلته"، فقد ينتهي به المطاف للكتابة في أشياء سوقية تعرف رواجا، أو الكتابة لصحيفة تتبنى أفكارا مخالفة لأفكارهم، فقط لأنها توفر له المال. مع ذلك، هو يبقي قضية المال سرا.

علينا ان نرى المال من منظور آخر، إذا أردنا العيش بطريقة بعيدة عن النفاق الاجتماعي وادعاء الفضيلة الفكرية.

المقال 347

40 vues1 commentaire

Posts récents

Voir tout
bottom of page