top of page
Rechercher
  • Photo du rédacteurقناة الكاتب عماد الدين زناف

الهدايا المسمومة

الهدايا المسمومة.

الهديّة لا تُرفض، لكن قبولها لا يعبّر عن جودتها، قد تكون الهدايا نافعة في الظاهر، لكنها تُبطن سمًّا قاتلا. ذلك السم لم يكن مقصودا بالضرورة من الذي أهداك إيّاها، لكن الإعانة في ذاتها مسمومة. نحن في زمن الإعانات غير المحدودة، المعلومة التي تنزل إلينا بنقرتين، ألاف القنوات والحسابات التي تُبسّط أكثر الأشياء المُعقّدة، المتعة في كل مكان، تجعلنا ننسى أحزاننا بسرعة، ترجمات، تكوينات، ألاف الأفاق المبسوطة في مجال الانترنت، إلى أين سنصل بهذه السهولة؟

اجتماعيا، نعرف تحولا محسوسا، ذلك أن الشاب اليوم يملك هدية فوق الهدايا، وهي منحة البطالة، مبلغ مالي لا يتطلّب من صاحبه سوى شرطان تعجيزيّان جدا في عصر الكسل، الأول أن تكون وضعيته إزاء الخدمة العسكرية واضحة، والثاني أن يقبل أي عمل يُعرض عليه –أو أن تكون له شهادة تكوين مهني في مجال ما-، الأمر جلل كما تلاحظون.

ما الذي دفعني للكتابة حول هذا الموضوع؟ الذي دفعني لهذا تراكم الملاحظات لمن يريدون استقبال الإعانات بشكل غير مشروط، كهؤلاء الذين يرددون دائما –هذا حقنا من البترول-، منذ أن خُلق آدم، لم يكن للإنسان حق في شيء في الذي تعبَ من أجله، فكيف وصل بنا الحال أن نطلب حقًا ونحن ممدّدين في الأرائك؟! في الحقيقة ليس هذا هو السبب الرئيس الذي دفعني للكتابة حول هذا الموضوع، لكنني أراوغ كي لا أصل إليه بسرعة. مُعظم الهدايا مسمومة، هذا هو الواقع، لأن الهديّة ليست كالمكافئة، المكافئة تأتي بعد جهد، فلا تسمى هدية –يمنّ الهادي بها عليك- بل هو حقٌّ جاء مقابل عمل. الهديّة تعلم الكسل والتخاذل، لأن الهديّة تشوّش على الفرد منطق الحياة والواقع، الحياة والطبيعة قاسيان جدًا، الطبيعة قاسية ومؤلمة وصعبة، هي لا تكافئ المجتهد كما يجب، فكيف تهديه من لا شيء؟ -يُقال إن بعض أرباب الأعمال قد ترعرعوا في ظروف ساعدتهم على التكوّن بطريقة عملية، أن يكون أبويهم أثرياء أو مثقفين كفاية، لكن القائلين بهذا يتغافلن عن شيء يسمى -المحافظة على المكاسب- لأن الوارث له قدم في التفوق هذا صحيح، لكن المحافظة على التفوق أصعب من الانطلاق من الصفر، لأن لا شيء تحت الصفر لمن هو صفر من الأساس، لكن الوارث إذا لم يحسن التعامل مع المصنع الذي ورثه عن أبيه، فهو سينزل إلى تحت الصفر، سيصبح مديونا وقد يعاني كثيرًا. ما الهديّة التي يجب أن نرفضها؟ الجواب هو أن الهدايا لا تُرفض، لا يجب أن نستعملها لتسهيل مهامنا في الحياة، بلغة أخرى، السهولة سمّ قاتل.

في سبعينات القرن الماضي، حاول أطبّاء و علماء اختراع حقن مغذّية تستبدل الأكل من الفمّ و الهضم التقليدي، حيث أنّ حجّتهم في ذلك ربح الوقت في العمل أكثر والإنتاجية، لكن العملية لم تنجح، لان الدراسات الإنسانية تقول ان اذا تخلّى الانسان عن عضو من اعضاءه اي ، يتوقف عن استعماله ، فسوف يفقده مع مرور الزمن، إذا التحقين قد يُفقد الإنسان أسنانه و عدّة أشياء قد تأثر على نطقه.

إليك مثالا آخر، منذ أن اخترع الإنسان اللباس، أصبح أقل كثافة في شعر جسده عن السابق، ومنذ أن لازمته القبعات أصبح أكثر عُرضةً للصلع، لأن الجسد يتخلى عن كل شيء لا يحتاجه. كذلك أراد ايلون موسك اختراع شريحة تسهّل عمل الانسان في استيعاب العلم وتزويده بالبداهة بطرق آلية، لكنها عملية ستزيد من الطبقيّة والديكتاتورية والتباعد بين الناس، لأن الانسان سيخضع لتقييم آلي وسيصبح عبداً للمادة بشكل مفزع تماماً. لقد فقد الانسان حوالي 50 سم من طوله، وبذلك، فقد الوزن والكثافة العضلية أيضا إبّان تطوّر الحضارات، لأن مع تقدّم الحضارات، أصبح يعتمد على السهولة في البناء (جرارات وآلات) وأصبح يعتمد على السيارات والدراجات للتنقل عوض المشي، لذلك انبثقت أمراض عضلية وعقلية وعظمية جرّاء التخاذل البدني والانهيار الهرموني المستمر. إن الانسان الأخير آثر السرقة والتقليد والنسخ واللصق على الابداع والاجتهاد والتعب، آثر انتظار الهدايا عوض الجوائز. فقد بدأت بوادر السرقة العلمية في عصر اليونان، حيث ألقوا بمصادر أفكارهم الشرقية إلى أقرب القمامات، وجعلوا يتغنون بعظمة فكرهم. اعتمد العديد من الناس على سبل حرق الأشواط، في الاعلانات والاشهارات، يريدون الفوز بأي طريقة كانت، حتى بانتظار السماء أن تمطر عليهم ذهبا وفضة! بالرغم من أن التدرّج هو الحكمة الاجتماعية الثابتة، لأن جمهورك وشهرتك وجب أن تتماشى وأعمالك وقاعدتك الإنتاجية، أما البحث عن جمهور أكبر من الأعمال، فقد أحدث اختلالا صارخاً.

اعتمد الرياضيون منذ سبعينات القرن الماضي على طرق غير اخلاقية في ابهار بعضهم البعض، و استسلموا أمام فكرة الفوز والابهار بالعمل، حيث اختاروا طرق الحقن المنشطة بشكل مباشر، وذلك لكي يبهروا أنفسهم كذباً و زوراً، ورغم المصائب التي تأتي من جراء هذا الفعل، إلا أن للعديد منهم، نظرة الإعجاب تلك أهم من مرض يأخذهم شباباً، نظرة الإعجاب تلك تلقي ابنائهم يتامى وزوجاتهم أرامل.

-الطريقة السريعة والناجحة- هي ملاذ الجميع، إذا نجح الفعل مرة، فوسف يكرره كي يشعر بنفس شعور الفرح والراحة التي شعر بها في البداية. ولكن الحياة أعقد من أن نضعّفها في كل مرة بقبول الهدايا دون جهد، وما هو ناجح اليوم، قد يستحيل من الماضي الطي يستحيل تكرار نجاحه، فوجب علينا اعتماد طرقٍ لا طريقة واحدة للنجاح المستمر. إن الاشتراكية قد ربت شعوبا تعتمد على بعضها البعض، والرأسمالية قد ربّت شعوبا أنانيّة بشكل كريه، ولكيلا نقع ضحيّةً لأي أيديولوجية، علينا أن نفتح أعيننا، أن نبقى يقظين طوال الوقت، وأن نرفض الهدايا المسمومة.

المقال 341

22 vues0 commentaire

Posts récents

Voir tout
bottom of page