top of page
Rechercher
  • Photo du rédacteurقناة الكاتب عماد الدين زناف

المقالات للإصلاح، عبد الرحمن الكواكبي!


بمناسبة بلوغ مقالاتي لمئتهم الثالثة، لم أجد موضوعاً يتناسبُ وهذا الأمر إلا الحديث عن المُفكّر الحَلبي السّوري عبد الرحمن الكواكبي، وهذا لعدّة اعتبارات، أوّلهم هو أنني قد وجدتُ أن منهجيّتي تقترب من أسلوبه، مع بعض الفروقات البسيطة والمفصلية بالنسبة لي.

ثانيا، هو رجلٌ واسعٌ اطّلاعه، وفي أسلوب التدوين، كان من روّاده، وقد كان من المتأخرين فيه بعضَ الشّيء، لكنه استفاد من ذلك التأخير في الاستعانة بكل من سبقه في المجال، ليعمل على أسس أكثر فاعليّة في هذا المجال.

إنه عبد الرحمن الكواكبي الحلبي، ينتسبُ لأشراف أهل البيت في سوريّة، ولدَ في منتصف القرن التاسع عشر، سنة 1855م. يعتبره العديدون من فلاسفة المسلمين المتأخرين، غير أنني أراهُ مُفكّرا ومُصلحاً وثائراً، لا فيلسوفاً، وهذا بعدَ اطّلاعي على كتابيه طبائع الاستبداد وأم القرى. فالفيلسوف، وإن كانَ له اتجاهٌ معيّن في التفكير، إلا أنه واسع الدائرة في الحديث، وصاحب مفاهيمَ جديدة ونظرات مُختلفة، غير أن الكواكبي كان واسع القراءة والاطلاع والنظر، لكنّ كتاباته كانت أضيق من ذلك، حيث خصّص غالبية أعماله وتدوينه في مكافحة الفساد العثماني في تلك الحقبة. وهذا لا يضرّه، بل يرفعه كثيراً، لكن رتبة الفيلسوف تتطلّب أكثر من هذا.

كان الكواكبي يوجّهُ قلمه كسيف ضد الفساد الإداري العثماني واستبداد الولاة في حلب وسورية وغيرها في تلك الفترة، وما كان يميّزه هو تحكمّه في اللسان العربي والتركي والفارسي، واهتمامه الكبير بالعلوم السياسية والاجتماعية والتاريخ والفلسفة. فالعلماء المسلمون في تلك الفترة، بدأوا يتحرّرون من الانطواء الثقافي، وكان الكواكبي في مقدمة الركب، فتبحّر في قراءة العلوم بمختلف فروعها، خدمةً لبلدته وقومه، فالمثقف لا يكونُ مثقفا حتى يترجم ثقافته بما ينفع قومه على قول علي شريعتي. وكانَ ذلك بادياً في نصوصه، مُستشهداً بأخبار الأقوام في العدل والميزان، وأن دائرة الإسلام أوسع مما كانَ يروّج له، وأنه يستوعب كل علم وفكر لا يمس الثوابت ولا يثير الريبة فيها.

كان يهوى التدوين، وعُرفَ عنه الميل للمقال الصحفي، فعَملَ لفترة في صحيفة تركية، غير أنه شعر بالقيد فيها، ذلك أنه لم يستطع التعبير بحريّة عن الجور والظلم، فأسس صحيفته وسماها الشهباء على كُنية حلب، فتمّ تشميعها هي الأخرى من طرف السلطات. فعُرفت قدرة ومُكنة الكواكبي، لذلك استمالته الإدارة العثمانية وتوددت له لشراء صمته، فسمحت له بإنشاء صحيفة جديدة بالعربية والتركية، فسماها الاعتدال، محاولاً التمويه بالاسم لا بالمحتوى، فتمّ غلقها هي الأخرى. عرفت حياته عديد المِحن، فقد تم اتهامه بمحاولة التأجيج لاغتيال الوالي غير مرّة، وفي كل مرّة ينجو من الإعدام. فقرر مغادرة سورية متوجها إلى مصر، حيث وجد فيها سعة من الحرية في الرأي والصحافة، كان وغيره من رواد الإصلاح من دعاة الاقتداء بالأسلوب الغربي في بعث العدل والحقوق وبعض الحريات، وكان من الذين يدعون لغربتها قبل نشرها على العوام.

كان يرى أن المسلمين وبلادهم في حالة تقهقر، وأن التفتح على الأساليب الناجحة في القضاء على التخلف أمر واجب، لذلك دع إلى أخذ ما يمكن أخذه من الغرب. فبحث في الفتور والعيوب، واقترح الحلول والسلوك. كان يكتب للعامة، يرشدهم إلى أن الاستبداد ثقافة كامنة في نفوسنا، وليست محصورة في أشخاص بعينهم. عرفت تلك الفترة بزوغ عديد المفكرين الذين يدعمون أفكار الكواكبي، التي هي أفكار مستلهمة من الثورة الفرنسية والمتنورون الأوروبيون، من بينهم العقاد، الذي خصص له كتابا خاصاً، ويبرز أهميّة الرجل في العالم العربي الإسلامي في تلك الفترة.

فكك الكواكبي في كتابيهِ الشهيرين معنى الاستبداد، وعلاقته مع الدين، والعلم، والاجتماع، والسياسة، وكانت نظرته جيدةً في ذلك الزمان، فقد بدى عليه اطلاعه الواسع خاصةً في الأفكار التي تلتقي مع فكر روسو.

عمل الكواكبي في مقالاته على بسط المعرفة وتبسيطها، وتنوير محيطه وتسليط الضوء على الأمور النافعة، وحثهم على نفض تراب الجهل والعبودية المفرطة، والاقتداء بالتجارب الناجحة، والتمسك بالدين والشريعة في نفس الوقت.


المقال 300 !

7 vues1 commentaire

Posts récents

Voir tout
bottom of page