top of page
Rechercher
  • Photo du rédacteurقناة الكاتب عماد الدين زناف

أبناء موسى والنشأة العلمية

النشأة العلمية المَرجُوّة: {بنو موسى} مثلاً!

تروي المؤرخة الألمانية سيغريد هونكه في كتابها شمسُ العرب تسطع على الغرب، قصة الفَلكيّ موسى بن شاكر، صاحب كتاب الدرجات في طبائع الكواكب السبعة، وهو خراساني الأًصل. وله ثلاثة أبناء. هؤلاء الأبناء من أعجب ما قدّمه المسلمون للعلم والعالم. كان أبوهم رجلاً نبيلاً ذو مكانة في عهد الخليفة المأمون ابن الرشيد في الدولية العباسية، والمعروف أن في حقبة المأمون عرف المسلمون أزهى عصور الانفتاح الفكري والفلسفي والعلمي. كانت لموسى وصيّة للرشيد بأبنائه هؤلاء، وكانت لموسى مكانةٌ عند الرشيد، فاستوصى بهم خيراً وتربوا مع المأمون، وعندما حكَم هذا الأخير عملَ بوصية أبيه فيهم، وكلّف بعده والي بغداد إسحاق بم إبراهيم المصعبي ليرعاهم، فأدخلهم إلى بيت الحكمة.

فكان الإخوة محمد وأحمد والحسن من النجباء العباقرة، مهتمين بالعلم بشكل لم يسبقهم فيه أحد، تربوا على يد العلامة يحيى بن أبي منصور الذي علمهم الرياضيات والفلك والجغرافيا. فقد كانوا تحت رعاية الدولة الرسمية، وذلك أمر لم يُسبق كذلك. وكانت كل أموالهم تَصُبّ في التجارب العلمية حصراً. برعَ الثلاثة في مجالات الفلك والهندسة والجغرافيا والفيزياء.

كتبوا في كتابهم -الدرجات المعروفة- نصاً عجيباً حول اليونانيين:

(إن القدماء من أهل اليونانية تسلموا علومهم التجريبية من الهند. ولما نظرنا في الكتب الموجودة إلى الآن، في معرفة أحكام النجوم، وجدنا أكثرها حايدا عن الصواب، وعنما سطره أولوهم، ووجدنا للقدماء عندهم كتبا قد هجرها المتأخرون، لجهلهم كيفية استعمال ما فيها، وبعدها عن أذهانهم، فتكلَّفنا التعب الشـديد في نقلها إلى لغة العرب، واستعننا بذلك بأفضل ما وجدناه من الناقلين في زماننا، واجتهدنا في تهذيب العبارة وإصلاحها)

فقد وثّقوا أن اليونان أخذت من الهند، وأن العرب والهند لم يكونوا ذوي خبرة ودقة في تأليف الكتب الفلكية، وقالوا أن الناس هجرت الكتب العتيقة الموثقة، لنزول فهمهم الحاد لدرجة أنهم لم يستطيعوا معرفة ما فيها ولا استعماله.

ثم قالوا: تكلّفنا في نقله إلى لغة العرب. ما يُفهم منه هو أنهم قاموا بشرحها وتبسيطها وترجمتها إلى العربية، ما يسمى حاليا تيسير العلوم، وجعلها علوما شعبية يفهمها الناس. ولم يكتفوا بالنقل والترجمة، بل هذّبوا العبارات، أي اختاروا أحسنها في اللغة ثمّ سوّوها بعبارة مقبولة، وصلّحوا العيوب المأثورة منها.

وضعوا الشكل الإهليجي في الرياضيات بشكل دقيق، وذلك باختراعهم طريقة وضع الدبابيس ولف الخيط وربطهم ببعضهم، لتعطي رسما دقيقاً. وفي الفلك، توصلوا لحساب عدد الأيام في السنة التي تعادل 365 يوم 6 ساعات بالضبط.

ثم حددوا الاعتدال الصيفي والشتوي وحركة الشمس. وكذاك وضعوا خطاً لسير الكواكب، وعملوا على رصدها، وقد اخترعوا لهذا آلة راصدة مكبرة. ويُنسب لهم اكتشاف الجاذبية للأجرام السماوية بشكل مستقيم. إلى أن كلفهم المأمون بقياس محيط الأرض، فقاسوها بدقّة حتى توصلوا إلى حقيقة كُرويّتها، وكانت التجربة انطلاقا من صحراء سنجار مستعين بالأوتاد. وقد وصلوا لنتيجة أن محيط الأرض هو 24 ألف ميل عربيّ.

وعُرفوا بعلم الحِيَل، واسم لأشهر كتبهم، وهو علم الميكانيكا، وقد ركزوا على ميكانيكا السوائل، فاخترعوا آلات فلاحية زراعية ورافعات الأثقال وآلات منزلية، وألعاب للطفال. فاخترعوا الحوض السحري، والقمقم المسكون، والسراج المريح، والنافورة العجيبة، وغيرها. وقد قال الزركلي أن من بين الكتب الموضوعة في مكتبة الفاتيكان، هو كتاب الحيل.

ما الذي أردته بكل هذا؟

انظروا الاهتمام الذي ولّاه الأب للعلم، على الرغم من أنه كان قاطعاً للطريق! لكن لزّه حبه لأولاده وللعلم بأن يوصي بأبنائه خيرا، والخير في العلم. فمشت الوصية بين خليفتين ووالي. فدفعهم الوالي إلى بيت الحكمة، التي كانت تعتبر جامعة العالم. فنشأ الأخوة على حب العلم، والاحتكاك بالعلماء والأدباء، فاستفزوا مخيلتهم وأنتجوا العجائب.

من أين يأتي الشغف بالعلم إذا كان الأب لا يأبه، والوالي لا يعنيه، والعلماء والمثقفون لا يربون ولا يجتهدون في الترجمة والتبسيط والتيسير ومساعدة الناشئين.

المقال 322

13 vues1 commentaire

Posts récents

Voir tout
bottom of page